فصل: الباب السابع طبقات الأطبَّاء الذين كانوا في أول ظهُور الإسْلاَم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء **


 الباب السادس طبقات الأطبَّاء الاسكندرانيين

ومن كان في أزمنتهم من الأطباء النّصارى وغيرهم قال الختار بن حسن بن بطلان إن الأسكندرانيين الذين جمعوا كتب جالينوس الستة عشر وفسروها كانوا سبعة وهم إصطفن وجاسيوس وثاودوسيوس وأكيلاوس وأنقيلاوس وفلاذيوس ويحيى النحوي وكانوا على مذهب المسيح وقيل أن أنقيلاوس الإسكندراني هو كان المقدم على سائر الاسكندرانيين وأنه هو الذي رتب الكتب الستة عشر لجالينوس‏.‏

وقال وكان هؤلاء الإسكندرانيون يقتصرون على قراءة الكتب الستة عشر لجالينوس في موضع تعليم الطب بالاسكندرية وكانوا يقرأونها على الترتيب ويجتمعون في كل يوم على قراءة شيء منها وتفهمه ثم صرفوها إلى الجمل والجوامع ليسهل حفظهم لها ومعرفتهم أياها ثم انفرد كل واحد منهم بتفسير الستة عشر أجود ما وجدت من ذلك تفسير جاسيوس للستة عشر فإنه وعمر من هؤلاء الاسكندرانيين يحيى النحوي الاسكندراني الأسكلاني حتى لحق أوائل الإسلام قال محمد بن إسحاق النديم البغدادي في كتاب الفهرست أن يحيى النحوي كان تلميذ ساواري قال وكان يحيى النحوي في أول أمره أسقفا في بعض الكنائس بمصر ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية ثم رجع عما يعتقده النصارى من التثليث واجتمعت الإساقفة وناظرته فغلبهم واستعطفته وآنسته وسألته الرجوع عما هو عليه وترك إظهاره فأقام على ما كان عليه وأبى أن يرجع فأسقطوه ولما فتحت مصر على يدي عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه دخل إليه وأكرمه ورأى له موضعاً‏.‏

ونقلت من تعاليق الشيخ أبي سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني قال كان يحيى النحوي في أيام عمرو بن العاص ودخل إليه وقال إن يحيى النحوي كان نصرانياً بالاسكندرية وأنه قرأ على أميونيس وقرأ أميونيس على برقلس قال ويحيى النحوي يقول أنه أدرك برقلس وكان شيخاً كبيراً لا ينتفع به من الكبر‏.‏

وقال عبيد اللَّه بن جبرائيل في كتاب مناقب الأطباء بأن يحيى النحوي كان قوياً في علم النحو والمنطق والفلسفة وقد فسر كتباً كثيرة من الطبيات ولقوته في الفلسفة أُلحق بالفلسفة لأنه أحد الفلاسفة المذكورين في وقته قال وسبب قوته في الفلسفة أنه كان في أول أمره ملاحاً يعبر الناس في سفينته وكان يحب العلم كثيراً فإذا عبر معه قوم من دار العلم والمدرّس الذي كان يدرس العلم في جزيرة الاسكندرية يتحاورون ما مضى لهم من النظر ويتفاوضونه ويسمعه فتهش نفسه للعلم فلما قويت رويته في العلم فكر في أمره وقال قد بلغت نيفاً وأربعين سنة من العمروما ارتضيت بشيء وما عرفت غير صناعة الملاحة فكيف يمكنني أن أتعرض إلى شيء من العلوم فبينما هو مفكر إذ رأى نملة قد حملت نواة تمرة وهي تريد أن تصعد بها إلى علو وكلما صعدت بها سقطت فلم تزل تجاهد نفسها في طلوعها وهي في كل مرة يزيد ارتفاعها عن الأولى فلم تزل نهارها وهو ينظر إليها إلى أن بلغت غرضها وأطلتها إلى غايتها فلما رآها يحيى النحوي قال لنفسه إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة فإنا أولى أن أبلغ غرضي بالمجاهدة فخرج من وقته وباع سفينته ولازم دار العلم وبدأ بعلم النحو واللغة والمنطق فبرع في هذه الأمور وبرز ولأنه أول ما ابتدأ بالنحو فنسب إليه واشتهر به ووضع كتباً كثيرة منها تفاسير وغيرها ووجدت في بعض تواريخ النصارى أن يحيى النحوي كان في المجمع الرابع الذي اجتمع في مدينة يقال لها خلكدونية وكان في هذا المجمع ستمائة وثلاثون أسقفاً على أوتوشيوس - وهو يحيى النحوي وأصحابه - وأوتوشيوس تفسيره بالعربي أبو سعيد وهذا أوتوشيوس كان طبيباً حكيماً وأنهم لما أحرموه لم ينفوه كما نفوا المحرومين وكان ذلك لحاجتهم إلى طبه وتُرك في مدينة القسطنطينية ولم يزل مقيماً بها حتى مات مرقيان الملك وليحيى النحوي هذا لقب آخر بالرومي يقال له فيلوبينوس أي المجتهد وهو من جملة السبعة الحكماء المصنفين للجوامع الستة عشر وغيرها في مدينة الاسكندرية وله مصنفات كثيرة في الطب وغيره وترك في مدينة القسطنطينية لعلمه وفضله وطبه وقام بعد مرقيان الملك أسطيريوس الملك فاعتل هذا الملك علة شديدة صعبة وذلك من بعد سنتين من حرم أوتوشيوس المذكور فدخل على الملك وعالجه وبرأ من علته فقال له الملك سلني كل حاجة لك فقال له أوتوشيوس حاجتي إليك يا سيدي أن أسقف ذورلية وقع بيني وبينه شر شديد وبغى علي وقويّ عزم أفلابيانوس بطريرك القسطنطينية وحمله على أن جمع لي سوندس أي مجمع وحرمني ظلماً وعدواناً فحاجتي إليك يا سيد بأن تجمع لي جمعاً ينظرون في أمري فقال له الملك أنا أفعل لك هذا إن شاء اللَّه تعالى فأرسل الملك إلى ديسقوروس صاحب الاسكندرية ويوانيس بطرك إنطاكية فأمرهم أن يحضروا عنده فحضر ديسقوروس ومعه ثلاث عشر أسقفاً وأبطأ صاحب إنطاكية ولم يحضر وأمر الملك لديسقوروس أن ينظر في أمر أوتوشيوس وأن يحله من حرمه على أي الجهات كان وقال له متوعداً إنك إن حللته من حرمه بررتك بكل بر وأحسنت إليك غاية الإحسان وإن لم تفعل ذلك قتلتك قتلاً رديئاً فاختار لنفسه البر على القتل فعمل له مجلساً هو وهؤلاء الثلاثة عشر أسقفاً ومن حضر معه أيضاً فحسنوا قصته وحلوه من حرمه وخرج أسقف ذورالية وأصحابه وانصرفوا من القسطنطينية وقد خالفوا رأي الكنيسة وبهذا السبب كان تعصب ديسقوروس لأوتوشيوس المذكور المعروف بيحيى النحوي ومات مخالفاً لمذهب الروم المعروفين بالملكية ومات وهو يعقوبي مخالف للروم المذكورين‏.‏

كتب يحيى النحوي وليحيى النحوي من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الأولى لأرسطوطاليس فسر منها إلى الأشكال الحملية تفسير كتاب أنالوطقيا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس تفسير كتاب الكون والفساد لارسطوطاليس تفسير كتاب مايال لارسطوطاليس تفسير كتاب الفرق لجالينوس تفسير كتاب الصناعة الصغير لجالينوس تفسير كتاب النبض الصغير لجالينوس تفسير كتاب اغلوقن لجالينوس تفسير كتاب الاسطفسات لجالينوس تفسير كتاب المزاج لجالينوس تفسير كتاب القوى الطبيعية لجالينوس تفسير كتاب التشريع الصغير لجالينوس تفسير كتاب العلل والاعراض لجالينوس تفسير كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة لجالينوس تفسير كتاب النبض الكبير لجالينوس تفسير كتاب الحميات لجاليوس تفسير كتاب البُحران لجالينوس تفسير أيام البحران لجالينوس تفسير كتاب حيلة البرء لجالينوس تفسير كتاب تدبير الأصحاء لجالينوس تفسير كتاب منافع الأعضاء لجالينوس جوامع كتاب الترياق لجالينوس جوامع كتاب الفصد لجالينوس كتاب الرد على برقلس ثمان عشرة مقالة كتاب في أن كل سم متناه فقوته متناهية كتاب الرد على ارسطوطاليس ست مقالات مقالة يرد فيها على نسطورس كتاب يرد فيه على قوم لا يعرفون مقالتان مقالة أخرى يرد فيها على قوم آخر مقالة في النبض نقضه للثمان عشرة مسألة لديد وخس برقلس الإفلاطوني شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس‏.‏

قال أبو الحسن علي بن رضوان في كتاب المنافع في كيفية تعليم صناعة الطب وإنما اقتصر الإسكندرانيون على الكتب الستة عشر من سائر كتب جالنوس في التعليم ليكون المشتغل بها إن كانت له قريحة جيدة وخمة حسنة وحرص على التعليم فإنه إذا نظر في هذه الكتب اشتاقت نفسه بما يرى فيها من عجيب حكمة جالينوس في الطب إلى أن ينظر في باق بما يجد من كتبه وكان ترتيبهم لهذه الكتب في سبع مراتب - أما المرتبة الأولى فإنهم جعلوها بمنزلة المدخل إلى صناعة الطب فإن من تحصل له هذه المرتبة يمكنه أن يتعاطى أعمال الطب الجزئية فإن كان ممن له فراغ ودواع تدعوه إلى التعليم والأزدياد تعلم ما بعدها وإن لم يكن له ذلك لم يكد يخفى عليه منافعه في علاج للأمراض وجميع ما في هذه المرتبة أربعة كتب أولها كتاب الفرق وهو مقالة واحدة يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب التجربة وقوانينه أيضاً على رأي أصحاب القياس إذ كان بالتجربة والقياس يستخرج الناس جميع ما في الصنائع وما اتفقا عليه فهو الحق وما اختلفا فيه نُظر فإن كان طريقه القياس عمل على قوانين القياس فيه وإن كان طريقه التجربة عمل على قوانين التجربة فيه‏.‏

والثاني كتاب الصناعة الصغيرة مقالة واحدة يستفاد منها جمل صناعة الطب كلها النظري منها والعملي‏.‏

والثالث كتاب النبض الصغير وهو أيضاً مقالة واحدة يستفاد منه جميع ما يحتاج إليه المتعلم من الاستدلال بالنبض على ما ينتفع به في الأمراض‏.‏

ولأن من يتعاطى الأعمال الجزئية من الطب يضطر إلي معرفة قوى ما يحتاج إليه من الأغذية والأدوية وإلى أن يباشر بنفسه أعمال اليد من صناعة الطب لزمه أن ينظر فيما تدعوه إليه الحاجة من الكتب التي سماها جالينوس في آخر الصناعة الصغيرة أو يتعلم ما يحتاج إليه من ذلك تلقيناً ومشاهدة فصارت هذه الأربعة كتب التي في المرتبة الأولى مقنعة للمتعلم في تعليم صناعة الطب فأما الكامل فإنه يتذكر بها جميع ما فهمه من الصناعة‏.‏

- فأما المرتبة الثانية فإنها أيضاً أربعة كتب الأول منها كتاب الأسطقسات هو مقالة واحدة يستفاد منه أن بدن الإنسان وجميع ما يحتاج إليه سريع التغير قابل للاستحالة فمن ذلك اسطقسات البدن القريبة منه وهي الأعضاء المتشابهة الأجزاء - أعني العظام والأعصاب والشرايين والعروق والأغشية واللحم والشحم وغير ذلك واسطقسات هذه الأعضاء الاخلاط - أعني الدم والصفراء والسوداء والبلغم واستطقسات هذه الأخلاط النار والهواء والماء والأرض فإن مبدأ التكون من هذه الأربعة وأخذ الانحلال إليها وإن هذه الاسطقسات قابلة للتغيير والاستحالة وهذا الكتاب هو أول كتاب يصلح أن يبدأ به من أراد استكمال تعليم صناعة الطب‏.‏

والثاني كتاب المزاج وهو ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أصناف المزاج وبما يتقوم كل واحد والثالث كتاب القوى الطبيعية وهو أيضاً ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة القوى التي تدبر بها طبيعة البدن وأسبابها والعلامات التي يستدل بها عليها‏.‏

والرابع كتاب التشريح الصغير وهو خمس مقالات وضعها جالينوس متفرقة وإنما الاسكندرانيون جمعوها وجعلوها كتاباً واحداً يستفاد منه معرفة أعضاء البدن المتشابهة وعددها وجميع ما يحتاج إليها فيها‏.‏

وهذه الكتب التي في هذه المرتبة الثانية يستفاد من جميعها الأمور الطبيعية للبدن أعني التي قوامه بها وإذا نظر فيها محب التعليم اشتاق أيضاً إلى النظر في كل ما يتعلق بطبيعة البدن أما كتاب المزاج فيشوق إلى مقالته في خصب البدن ومقالته في الهيئة الفاضلة ومقالته في سوء المزاج المختلف وكتابه في الأدوية المفردة ونحو هذا وأما كتاب القوى الطبيعية فيشوق إلى كتابه في المنى وكتابه في منافع الأعضاء وسائر ما وضعه جالينوس في القوى والأرواح والأفعال وأما كتاب التشريح الصغير فيشوق إلى كتابه في عمل التشريح ونحوه‏.‏

- وأما المرتبة الثالثة فكتاب واحد فقط فيه ست مقالات وهو كتاب العلل والأعراض وجالينوس وضع مقالات هذا الكتاب متفرقة وإنما الاسكندرانيون جمعوها وجعلوها في كتاب واحد يستفاد منه معرفة الأمراض وأسبابها والإعراض الحادثة عن الأمراض‏.‏

وهذا باب عظيم الغناء في صناعة الطب على رأي أصحاب القياس وهو أصل عظيم إذا وقف الإنسان على ما في هذا الكتاب وفهمه لم يخف عليه شيء من صناعة الطب أما المرتبة الرابعة فكتابان أحدهما كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة ست مقالات يستفاد منه تعريف كل علة من العلل التي تحدث في الأعضاء الباطنة فإن هذه الأعضاء لا تدرك أمراضها بالعيان لأنها خفية عن الحس فيحتاج إلى أن يستدل عليها بعلامات تُقوَّم كل واحدة منها فإذا ظهرت العلامات المقومة تيقن أن العضو الفلاني علة كذا‏.‏

مثاله ذات الجنب ورم حار يحدث في الغشاء المستبطن للاضلاع والعلامة التي تقومه ضيق النفس والوجع الناخس والحمى والسعال فإن هذه إذا اجتمعت عُلم أن في الغشاء المستبطن للاضلاع ورماً حاراً‏.‏

ولم يضع جالينوس كتاباً في تعرّف علل الأعضاء الظاهرة إذا كانت هذه العلل تقع تحت العيان فيكتفي في تعرفها نظرها بين يدي المعلمين عياناً فقط‏.‏

والثاني كتاب النبض الكبير وهو ينقسم إلى أربعة أجزاء كل جزء منه أربع مقالات يستفاد من الجزء الأول منه معرفة أصناف النبض وجزئيات كل صنف منها ومن الثاني تعريف أدراك كل واحد من أصناف النبض ومن الثالث تعريف أسباب النبض ومن الرابع تعريف منافع أصناف النبض وهذا باب عظيم النفع في الاستدلال على الأمراض ومعرفة قواها ونسبتها إلى قوة البدن - وأما المرتبة الخامسة فثلاثة كتب الأول منها كتاب الحميات مقالتان يستفاد منه معرفة طبائع أصناف الحميات وما يستدل به على كل صنف منا‏.‏

والثاني كتاب البحران ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أوقات المرض ليعطى في كل وقت منها ما يوافق فيه ومعرفة ما يؤول إليه الحال في كل واحد من الأمراض هل يؤول أمره إلى السلامة أو لا وكيف يكون وبماذا يكون والثالث كتاب أيام البحران وهو أيضاً ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أوقات البحران ومعرفة الأيام التي يكون فيها وأسباب ذلك وعلاماته‏.‏

- وأما المرتبة السادسة فكتاب واحد وهو كتاب حيلة البرء أربع عشرة مقالة يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب القياس في كل واحد من الأمراض وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأدوية المفردة وفي كتب جالينوس في الأدوية المركبة - أعني قاطاجانس والميامر وكتاب المعجونات ونحو هذه الكتب‏.‏

- وأما المرتبة السابعة فكتاب واحد وهو كتاب تدبير الأصحاء ست مقالات يستفاد منه حفظ صحة كل واحد من الأبدان وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأغذية وفي كتابه في جودة الكيموس ورداءته وفي كتابه في التدبير الملطف وفي شرائط الرياضة مثال ذلك ما في كتاب جالينوس في الرياضة بالكرة الصغيرة ونحو هذا‏.‏

فالكتب الستة عشر التي اقتصر الاسكندرانيون على تعليمها تدعو الناظر فيها إلى النظر في جميع كتب جالينوس التي استكمل بها صناعة الطب مثال ذلك أن النظر في كتاب آلة الشم يتعلق بما في المرتبة الثانية والنظر في كتابه في علل التنفس يتعلق أيضاً بهذه المرتبة والنظر في كتاب في سوء التنفس وفي كتابه في منفعة التنفس وكتابه في منفعة النبض وكتابه في حركة الصدر والرئة وكتابه في الصوت وكتابه في الحركات المعتاصة وكتابه في أدوار الحميات وكتابه في أوقات الأمراض وغير ذلك من كتبه ومقالاته ورسائله كل واحد منها له تعلق بواحدة من المراتب السبع أو بأكثر من مرتبة واحدة تدعو الضرورة إلى النظر فيه فإذا ما فعله الاسكندرانيون في ذلك حيلة حسنة في حث المشتغل بها على التبحر في صناعة الطب وأن تؤديه العناية والاجتهاد إلى النظر في سائر كتب جالينوس‏.‏

وقال أبو الفرج بن هندو في كتاب مفتاح الطب أن هذه الكتب التي اتخذها الأسكندرانيون من كتب جالينوس وعملوا لها جوامع وزعموا أنها تغني عن متون كتب جالينوس وتكفي كلفة ما فيها من التوابع والفصول قال أبو الخير بن الخمار وهو أستاذ أبي الفرج بن هندو أنا أظن أنهم قد قصروا فيما جمعوا من ذلك لأنهم يعوزهم الكلام في الأغذية والأهوية والأدوية قال والترتيب أيضاً قصروا فيه لأن جالينوس بدأ من التشريح ثم صار إلى القوى والأفعال ثم إلى الاسطقسات قال أبو الفرج وأنا أرى أن الاسكندرانيين إنما اقتصروا على الكتب الستة عشر لا من حيث هي كافية في الطب وحاوية للغرض بل من حيث افتقرت إلى المعلم واحتاجت إلى المفسر ولمن يمكن أن يقف المتعلم على أسرارها والمعاني الغامضة فيها من غير مذاكرة ومطارحة ومن دون مراجعة ومفاوضة‏.‏

فأما الكتب التي ذكرها الاستاذ أبو الخير بن الخمار فالطبيب مضطر إلى معرفتها وأضافتها إلى الكتب التي عددناها غير أنه يمكنه من نفسه الوقف على معانيها واستنباط الأغراض منها بالقوة المستفادة من الستة عشر التي هي القوانيين لما سواها والمراقي إلى ما عداها فإن قلت فما حجة الاسكندرانيين في ترتيبهم لهذه الكتب قلنا إنهم رتبوا بعضها بحسب استحقاقه في نفسه بمنزلة كتاب الفرق فإنه وجب تقديمه لتتنقى به نفس المتعلم من شكوك أصحاب التجربة والمحتالين ومغالطاتهم ويتحقق رأي أصحاب القياس فيقتدي بهم وبمنزلة الصناعة الصغيرة فإنها لما كانت فيها شرارة من صناعة الطب كان الأولى أن يتبع بها كتاب الفرق ويجعل مدخلاً إلى الطب ورتبوا بعضها بحسب ما توجبه إضافته إلى غيره بمنزلة الكتاب الصغير في النبض فإنه جُعل تابعاً للصناعة الصغيرة لأن جالينوس ذكر فيها النبض عند ذكره لمزاج القلب ووجب أيضاً تقديمه على كتاب جالينوس إلى أغلوقن لأنه تكلم في هذا الكتاب في الحميات والنبض وهو أول شيء يعرف منه أمر الحميات‏.‏

على أن الترتيب الذي ذكره الاستاذ أبو الخير أن جالينوس أشار إليه وهو لعمري الترتيب الصناعي وذلك أنه يجب على كل ذي صناعة أن يتدرج في تعليمها من أظهر إلى الأخفى ومن الأخير إلى المبدأ والتشريح هو علم البدن وأعضائه وهذه هي أول ما يظهر لنا من الإنسان وإن آخر ما تفعله الطبيعة فإن الطبيعة تأخذ أولاً الاسطقسات ثم تمزجها فيحصل منها الاخلاط ثم تفعل القوى الأعضاء فيجب أن يكون طريقنا في التعليم بالعكس من طريق الطبيعة في التكوين ولكنا ندع هذا الاضطرار ونرضى ترتيب الاسكندرانيين لأن العلم حاصل على كل حال وخرق اجماع الحكماء معدود من الخرق أقول وللاسكندرانيين أيضاً جوامع كثيرة في العلوم الحكمية والطب ولا سيما لكتب جالينوس وشروحاتها لكتب أبقراط فأما الأطباء المذكورون من النصارى وغيرهم ممن كان معاصراً هؤلاء الأطباء الاسكندرانيين وقريباً من أزمنتهم فمنهم شمعون الراهب المعروف بطيبويه وأهرن لاقس صاحب الكناش وألف كناشه بالسريانية ونقله ماسرجيس إلى العربي وهو ثلاثون مقالة وزاد ما سرجيس مقالتين ويوحنا بن سرابيون وجميع ما ألف سرياني وكان والده سرابيون طبيباً من أهل باجرمي وخرج ولداه طبيبين فاضلين وهما يوحنا وداوود وليوحنا بن سرابيون من الكتب كناش الكبير اثنتا عشرة مقالة كناش الصغير وهو المشهور سبع مقالات ونقله الحديثي الكاتب لأبي الحسن بن نفيس المتطبب في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وهو أحسن عبارة من نقل الحسن بن البهلول الأواني الطبرهاني ونقله أيضاً أبو البشر متَّى‏.‏

ومنهم أنطيلس وبرطلاوس وسندهشار والقهلمان وأبو جريج الراهب وأوراس وبوينوس البيروتي وسيورخنا وفلاغوسوس عيسى بن قسطنطين ويكنى أبا موسى وكان من جملة أفاضل الأطباء وله من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب في البواسير وعللها وعلاجها وأرس وسرجس الرأس عيني وهو أول من نقل كتب اليونانين على ما قيل إلى لغة السريانيين وكان فاضلاً وله مصنفات كثيرة في الطب والفلسفة وأطنوس الآمدي صاحب الكناش المعروف ببقوقونا غريغوريوس صاحب الكناش وأكثر كتب هؤلاء موجودة وقد نقل الرازي كثيراً من كلامهم في كناشه الكبير الجامع المعروف بالحاوي‏.‏

 الباب السابع طبقات الأطبَّاء الذين كانوا في أول ظهُور الإسْلاَم

من أطبَّاء العَرب وَغَيرهم

 الحارث بن كلدة الثقفي

كان من الطائف وسافر في البلاد وتعلم الطب بناحية فارس وتمرن هناك وعرف الداء والدواء وكان يضرب بالعود تعلم ذلك أيضاً بفارس باليمن وبقي أيام رسول اللَّه صلى الله علية وسلم وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ومعاوية رضي اللَّه عنهم وقال له معاوية ما الطب يا حارث فقال الأزم يعني الجوع ذكر ذلك ابن جلجل وقال الجوهري في كتاب الصحاح الأزم المسك يقال أزم الرجل من الشيء أمسك عنه وقال أبو زيد الأزم الذي ضم شفتيه وفي الحديث أن عمر رضي اللّه عنه سأل الحرث بن كلدة ما الدواء فقال الأزم يعني الحمية قال وكان طبيب العرب ويروى عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه أنه مرض بمكة مرضاً فعاده رسول اللَّه صلى الله علية وسلم فقال ادعوا له الحرث بن كلدة فإنه رجل يتطبب فلما عاده الحرث نظر إليه وقال ليس عليه بأس اتخذوا له فريقة بشيء من تمر عجوة وحلبة يطبخان فتحسّاها فبرئ وكانت للحرث معالجات كثيرة ومعرفة بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه من المداواة وله كلام مستحسن فيما يتعلق بالطب وغيره كلام الحرث مع كسرى من ذلك أنه لما وفد على كسرى أنو شروان أذن له بالدخول عليه فلما وقف بين يديه منتصباً قال له من أنت قال أنا الحرث بن كلدة الثقفي قال فما صناعتك قال الطب قال أَعربيّ أنت قال نعم من صميمها وبحبوحة دارها قال فما تصنع العرب بطبيب مع جهلها وضعف عقولها وسوء أغذيتها قال أيها الملك إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج إلى من يصلح جهلها ويقيم عوجها ويسوس أبدانها ويعدل أمشاجها فإن العاقل يعرف ذلك من نفسه ويمز موضع دائه ويحتزر عن الأدواء كلها بحسن سياسته لنفسه قال كسرى فكيف تعرف ما تورده عليها ولو عرفت الحلم لم تنسب إلى الجهل قال الطفل يناغي فيداوى والحية ترقى فتحاوى ثم قال أيها الملك العقل من قِسَم اللّه تعالى قسمَه بين عباده كقِسمة الرزق فيهم فكلٌ من قمسته أصاب وخص بها قوم وزاد فمنهم مثر ومعدم وجاهل وعالم وعاجز وحازم وذلك تقدير العزيز العليم فأعجب كسرى من كلامه ثم قال فما الذي تحمد من أخلاقها ويعجبك من مذاهبها وسجاياها قال الحرث أيها الملك لها أنفس سخية وقلوب جُرية ولغة فصيحة وألسن بليغة وأنساب صحيحة وأحساب شريفة يمرق من أفواههم الكلام مروق السهم من نبعة الرام أعذب من هواء الربيع وألين من سلسبيل المعين مطعمو الطعام في الجدب وضاربو الهام في الحرب لا يرام عزهم ولا يُضام جارهم ولا يستباح حريمهم ولا يذل أكرمهم ولا يقرون بفضل للأنام إلا للملك الهمام الذي لا يقاس به أحد ولا يوازيه سوقة ولا ملك فاستوى كسرى جالساً وجرى ماء رياضة الحلم في وجهه لما سمع من محكم كلامه وقال لجلسائه أني وجدته راجحاً ولقومه مادحاً وبفضيلتهم ناطقاً وبما يورده من لفظه صادقاً وكذا العاقل من أحكمته التجارب ثم أمره بالجلوس فجلس فقال كيف بصرك بالطب قال ناهيك قال فما أصل الطب قال الأزم قال فما الأزم قال ضبط الشفتين والرفق باليدين قال أصبت وقال فما الداء الدوي قال إدخال الطعام على الطعام هو الذي يفني البرية ويهلك السباع في جوف البرّيّة قال أصبت وقال فما الجمرة التي تصطلم منها الأدواء قال هي التخمة وإن بقيت في الجوف قتلت وإن تحللت أسقمت قال صدقت وقال فما تقول في الحجامة قال في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه والنفس طيبة والعروق ساكنة لسرور يفاجئك وهم يباعدك قال فما تقول في دخول الحمام قل لا تدخله شبعاناً ولا تغش أهلك سكراناً ولا تقم بالليل عرياناً ولا تقعد على الطعام غضباناً وارفق بنفسك يكن أرخى لبالك وقلل من طعامك قال ما لزمتك الصحة فاجتنبه فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت وإن تركتها خربت قال فما تقول في الشراب قال أطيبه أهنأه وأرقه امرأه وأعذبه أشهاده لا تشربه صرفاً فيورثك صداعاً وتثير عليك من الأدواء أنواعاً قال فأي اللحمان أفضل قال الضأن الفتي والقديد المالح مهلك للآكل واجتنب لحم الجزور والبقر قال فما تقول في الفواكه قال كلها في إقبالها وحين أوانها وأتركها إذا أدبرت وولت وانقضى زمانها وأفضل الفواكه الرمان والأترج وأفضل الرياحين الورد والبنفسج وأفضل البقول الهندباء والخس قال فما تقول في شرب الماء قالهو حياة البدن وبه قوامه ينفع ما شرب منه بقدر وشربه بعد النوم ضرر أفضله أمرأه وأرقه أصفاه ومن عظام أنهار البارد الزلال لم يختلط بماء الآجام والآكام ينزل من صرادح المسطان ويتسلل عن الرضراض وعظام الحصى في الإيفاع قال فما طعمه قال لا يوهم له طعم إلا أنه مشتق من الحياة قال فما لونه قال اشتبه على الأبصار لونه لأنه يحكي لون كل شيء يكون فيه قال أخبرني عن أصل الإنسان ما هو قال أصله من حيث شرب الماء يعني رأسه قال فما هذا النور في العينين مركب من ثلاثة أشياء فالبياض شحم والسواد ماء والناظر ريح قال فعلى كم جبل وطبع هذا البدن قال على أربع طبائع المرة السوداء وهي باردة يابسة والمرة الصفراء وهي حارة يابسة والدم وهو حار رطب والبلغم وهو بارد رطب قال فلم لم يكن من طبع واحد قال لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يهلك قال فمن طبيعتين لو كان اقتصر عليهما قال لم يجز لأنهما ضدان يقتتلان قال فمن ثلاث قال لم يصلح موافقان ومخالف فالأربع هو الاعتدال والقيام قال فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة قال كل حلو حار وكل حامض بارد وكل حريف حار وكل مر معتدل وفي المر حار وبارد قال فاضل ما عولج به المرة الصفراء قال كل بارد لين قال فالمرة السوداء قال لين قال والبلغم قال كل حار يابس قال والدم قال إخراجه إذا زاد وتطفئته إذا سخن بالأشياء الباردة اليابسة قال فالرياح قال بالحقن اللينة والأدهان الحارة اللينة قال أفتأمر بالحقنة قال نعم قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء عنه والعجب لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد وأن الجهل كل الجهل من أكل ما قد عرف مضرته ويؤثر شهوته على راحة بدنه قال فما الحمية قال الاقتصاد في كل شيء فإن الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحتها ويسد مسامها قال فما تقول في النساء وإتياتهن قال كثرة غشيانهن رديء وإياك وإتيان المرأة المسنة فإنها كالشن البالي تجذب قوتك وتسقم بدنك ماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل تأخذ منك الكل ولاتعطيك البعض والشابة ماؤها عذب زلال و عناقها غنج ودلال فوها بارد وريقها عذب ريحها طيب وهنها ضيق تزيدك قوة إلى قوتك ونشاطاً إلى نشاطك قال فأيهن القلب اليها أميل والعين برؤيتها أسر قال إذا أصبتها المديدة القامة العظيمة الهامة واسعة الجبين اقناة العرنين كحلاء لعساء صافية الخد عريضة الصدر مليحة النحر في خدها رقة وفي شفتيها لعس مقرونة الحاجبين ناهدة الثديين لطيفة الخصر والقدمين بيضاء فرغاء جعدة غضة بضة تخالها في الظلمة بدراً زاهراً تبسم عن اقحوان وعن مبسم كالارجوان كأنها بيضة مكنونة ألين من الزبد وأحلى من الشهد وأنزه من الفردوس والخلد وأزكى ريحاً من الياسمين والورد تفرح بقربها وتسرك الخلوة معها قال فاستضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه وقال ففي أي الأقات إتياتهن أفضل قال عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى والنفس أهدى والقلب أشهى والرحم أدفى فإن أردت الاستمتاع بها نهاراً تَسرح عينُك في جمال وجهها و ويجتني فوك من ثمرات حسنها ويعي سمعُك من حلاوة لفظها وتسكن الجوارح كلها إليها قال كسرى للَّه درك من إعرابي لقد أعطيت علماً وخصصت فطنة وفهماً وأحسن صلته وأمر بتدوين ما نطق به وقال الواثق باللّه في كتابه المسمى بالبستان إن الحرث بن كلدة مر بقوم وهم في الشمس فقال عليكم الظل فإن الشمس تنهج الثوب وتنقل الريح وتشحب اللون وتهيج الداء الدفين ومن كلام الحرث البطنة بيت الداء والحمية رأس الدواء وعودوا كل بدن ما اعتاد - وقيل هو من كلام عبد الملك بن أبجر وقد نسب قوم هذا الكلام إلى رسول اللَّه صلى الله علية وسلم وأوله المعدة بيت الداء وهو أبلغ من لفظ البطنة - وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنه قال من أراد البقاء ولا بقاء فليجود الغذاء وليأكل على نقاء وليشرب على ظمأ وليقل من شرب الماء ويتمدد بعد الغذاء ويتمشى بعد العشاء ولا يبيت حتى يعرض نفسه على الخلاء ودخول الحمام على البطنة من شر الداء ودخلة إلى الحمام في الصيف خير من عشر في الشتاء وأكل القديد اليابس في الليل معين على الفناء ومجامعة العجوز تهدم أعمار الأحياء وروي بعض هذه الكلمات عن الحرث بن كلدة وفيها من سره النساء ولا نساء فليكر العشاء وليباكر الغداء ليخفف الرداء وليقل غشيان النساء - ومعنى فليكر يؤخر والمراد بالرداء الدين وسمي الدين رداء لقولهم هو في عنقي وفي ذمتي فلما كانت العنق موضع الرداء سمي الدين رداء وقد روي عن طريق آخر وفيه وتعجيل العشاء وهو أصح وروى أبو عوانة عن العشاء وليخفف الرداء وليقل الجماع وروى حرب بن محمد قال حدثنا أبي قال قال الحرث بن كلدة أربعة أشياء تهدم البدن الغشيان على البِطنة ودخول الحمام على الامتلاء وأكل القديد ومجامعة العجوز وروى داود بن رشيد عن عمرو بن عوف قال لما احتضر الحرث بن كلدة اجتمع إليها الناس فقالوا مرنا بأمر ننتهي إليه من بعدك فقال لا تزوجوا من النساء إلا شابة ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها ولا يتعالجن أحد منكم ما احتمَل بدنُه الداء وعليكم بالنورة في كل شهر فإنها مذيبة للبلغم مهلك للمرة منبتة للحم وإذا تغدى أحدكم فلينم على إثر غدائه وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة ومن كلام الحرث أيضاً قال دافع بالدواء ما وجدت مدفعاً ولا تشربه إلا من ضرورة فإنه لا يصلح شيئاً إلا أفسد مثله وقال سليمان بن جلجل أخبرنا الحسن بن الحسين قال أخبرنا سعيد بن الأموي قال أخبرنا عمي محمد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال كان أخوان من ثقيف من بني كنه يتحابان لم يرقطّ أحسن ألفة منهما فخرج الأكبر إلى سفر فأوصى الأصغر بامرأته فوقعت عينه عليها يوماً غير معتمد لذلك فهويها وضني وقدم أخوه فجاءه بالأطباء فلم يعرفوا ما به إلى أن جاءه بالحارث بن كلدة فقال أرى عينين محتجبتين وما أدري ما هذا الوجع وسأجرب فاسقوه نبيذاً فلما عمل النبيذ فيه قال‏:‏ ألا رفقاً ألا رفقاً قليلاً ما أكوننه ألِمَّا بي إلى الأبيات بالخيف أزرهنه غزالا ما رأيت اليوم في دور بني كنه فقالوا له أنت أطب العرب ثم قال رددوا النبيذ عليه فلما عمل فيه قال أيها الجيرة أسلموا وقفوا كي تكلموا وتقضوا لبانة وتحبوا وتنعموا خرجت مزنة من البحر ريا تحمحم هي ما كنَّتي وتزعم أني لها حم قال فطلقها أخوه ثم قال تزوج بها يا أخي فقال واللَّه لا تزوجتها فمات وما تزوجها وللحرث بن كلدة الثقفي من الكتب كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنوشروان النضر بن الحرث بن كلدة الثقفي هو ابن خالة النبي صلى الله علية وسلم وكان النضر قد سافر البلاد أيضا كأبيه واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها وعاشر الأحبار والكهنة واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة وتعلم من أبيه أيضاً ما كان يعلمه من الطب وغيره وكان النضر يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي صلى الله علية وسلم لكونه كان ثقفياً كما قال رسول اللَّه صلى الله علية وسلم قريش والأنصار حليفان وبنو أمية وثقيف حليفان وكان النضر كثير الأذى والحسد للنبي صلى الله علية وسلم ويتكلم فيه بأشياء كثيرة كيما يحط من قدره عند أهل مكة ويبطل ما أتي به بزعمه ولم يعلم بشقاوته إن النبوة أعظم والسعادة أقدر والعناية الألهية أجل والأمور المقدرة أثبت وإنما النضر اعتقد أن بمعلوماته وفضائله وحكمته يقاوم النبوة وأين الثرى من الثريا والحضيض من الأوج والشقي من السعيد وما أحسن ما وجدت حكاية ذكرها أفلاطن في كتاب النواميس في أن النبي وما يأتي به لا يصل إليه الحكيم بحكمته ولا العالم بعلمه قال أفلاطون وقد كان مارينون ملك اليونانيين الذي يذكره أوميرس الشاعر باسمه وجبروته وما تهيأ لليونانيين في سلطانه رمي بشدائد في زمانه وخوارج في سلطانه ففزع إلى فلاسفة عصره فتأملوا مصادر أموره ومواردها وقالوا له قد تأملنا أمرك فلم نجد فيه من جهتك شيئاً يدعو إلى ما لحقك وإنما يعلم الفيلسوف الافراطات وسوء النظام الواقعين في الجزء فأما ما خرج عنه فليس تبحث عنه الفلسفة وإنما يوقف عليه من جهة النبوة وأشاروا عليه أن يطلب نبي عصره ليجتمع له مع علمهم ما ينبئ به وقالوا أنه لا يسكن في البلدان العامرة وإنما يكون بين أقاصي المقفرة بين فقراء ذلك العصر فسألهم ما يجب أن يكون عليه رسله إليه وما يكون دليلاً لهم عليه فقالوا اجعل رسلك إليه من لانت سجيته وظهرت قناعته وصدقت لهجته وكان رجوعه إلى الحق أحب من ظفره به فإن بين من استولى عليه هذا الوصف وبينه وصلة تدلهم عليه وتقدم إليهم في المسألة عنه عند مسقط رأسه ومنشئه وسيرته في هذه المواضع فإنك تجده زاهداً في النعيم راغباً في الصدق مؤثراً للخلوة بعيداً من الحيلة غير حظي من الملوك ينسبونه إلى تجاوز حده والخروج عما جرى عليه أهل طبقته تتأمل فيه الخوف وتخال فيه الغفلة إذا تكلم في الأمر توهمت أنه عالم بأصوله وليس يعرف ما يترقى إليه به وإذا سئل عما يصدر عنه ذكر أنه يلقى على لسانه وفي خاطره في اليقظة وبين النوم واليقظة ما لم ير فيه وإذا سئل عن شيء رأيته كأنه يقتضي الجواب من غيره ولا يفكر فيه تفكير القادر عليه والمستنبط له وإذا وجدوه فسيجمع لهم إلى ما تقرر من وصفه أعاجيب تظهر على لسانه ويده‏.‏

فجمع سبعة نفر وأضاف إليهم أمثل من وجد من الفلاسفة فخرجوا يلتمسونه فوجدوه على مسافة خمسة أيام من مستقر مارينوس في قرية قد خرج أكثر أهلها عنها وسكنوا قريباً من مدينة مارينوس لما آثروه من لين جواره وكثرة الانتفاع به ولم يبق فيها إلا نفر من الزهاد قد قعدوا عن الاكتساب ومشايخ وزمنى خلفهم الجهد وهو بينهم في منزلة شعث وحول النزل جماعة من هؤلاء القوم قد شغفهم جواره وإلهاهم عن الحظوظ التي وصل إليها غيرهم فتلقاهم أهل القرية بالترحيب وسألوهم عن سبب دخولهم قريتهم الشعثة التي ليس فيها ما يحبس أمثالهم عليه فقالوا رغبنا في لقاء هذا الرجل ومشاركتكم في فوائده وسألوهم عن وقت خلوته فقالوا ما له شيء يشغله عنكم فدخلوا إليه فوجدوه مختبياً بين جماعة قد غضوا أبصارهم من هيبته فلما رآه السبعة نفر سبقتهم العبرة وغمرتهم الهيبة ومعهم الفيلسوف ممسك لنفسه ومتهم لحسه يريد أن يستبرئ أمره فسلموا عليه فرد عليهم السلام ردا ضعيفاً وهو كالناعس المتحير ثم زاد نعاسه حتى كادت حبوته أن تنحل فلما تبين من حوله ما تغشاه غضوا أبصارهم ووقفوا وقوف المصلي فقال يا رسل الخاطئ الذي ملك جزءاً من عالمي فنظر إلى صلاحه في سوق الخيرات الجسدية إليه فأفسده بما غمره منها وكان سبيله سبيل من وكل بجزء من بستان كثير الزهر والثمار فصرف إليه أكثر من حصته من ماء ذلك البستان وظن أنه أصلح له فكان ما زاده منه على حصته ناقصاً من طعوم ثماره ورائح أزهاره وسبباً لجفاف أشجار جزءٍ جزءٍ منه وتصويح نبته فلما سمع السبعة نفر هذا لم يملكوا أنفسهم حتى قاموا مع أولئك فوقفوا وقوف المصلين قال الفيلسوف فبقيت جالساً خارجاً عن جملتهم لاستبرئ أمره وأتقصى عجائبه فصاح بي أيها الحسن الظن بنفسه الذي كان أقصى ما لحقه أن سلك بفكره بين المحسوسات الجزئية والمعقولات الكلية واستخلص منها علماً وقف به على طبائع المحسوسات وما قرب منها فظن أنه يبلغ به كل علة ومعلول أنك لا تصل إلي بهذه الطريق لكن بمن جعلته بيني وبين خلقي ونصبته للدلالة على إرادتي فاصرف أكثر عنايتك إلى الاستدلال عليه فإذا أصبته فأردد إليه ما فضل من معرفتك فقد حملته من جودي ما فرقت به بينه وبين غيره وجعلته سمة له يستعرضها إفهام المخلصين للحق‏.‏

ثم تماسك وقوي طرفه فرجع من حوله إلى ما كانوا عليه وخرجت من عنده فلما كان العشية عدت إليه فسمعته يخاطب أصحابه والسبعة نفر بشيء من كلام الزهاد و ينهاهم فيه عن طاعة الجسد فلما انقضى كلامه قلت له قد سمعت ما سلف لك في صدر هذا اليوم وأنا أسألك زيادتي منه فقال كلما سمعته فإنما هو شيء صور في نفسي وأُنطق به لساني وليس لي فيه إلا التبليغ وإن كان منه شيء سنقف عليه فأقمت عنده ثلاثة أيام أُدِّبر السبعة نفر على الرجوع إلى أوطانهم فيأبون ذلك علي فلما كان اليوم الرابع دخلت عليه فما تمكنت من مجلسه حتى تغشاه ما كان غشيه في اليوم الذي دخلنا عليه ثم قال يا رسول الخاطئ المستبطئ نفسه في الرجوع له ارجع إلى بلدك فإنك لا تلحق صاحبك وإني أنسخه بمن يعدِّل ميل الجزء الذي في يده فخرجت من عنده فلحقت بلدي وقد قضى نحبه وتولى الأمر كهل من أهل بيت مارينوس فرد المظالم وخلص الأرواح مما غشيها من لبوسات الترفة والبطالة أقول ولما كان يوم بدر والتقى فيه المسلمون ومشركو قريش و كان المقدم على المشركين أبو سفيان وعدتهم ما بين التسعمائة والألف والمسلمون يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر وأيد اللَّه الإسلام ونصر نبيه صلى الله علية وسلم ووقعت الكسرة على المشركين وقتلت في جملتهم صناديد قريش وأسر جماعة من المشركين فبعضهم استفكوا أنفسهم وبعضهم أمر النبي صلى الله علية وسلم بقتلهم وكان من جملة المأسورين عقبة بن أبي معيط والنضر ابن الحرث بن كلدة فقتلهما عليه السلام بعد منصرفه من بدر‏.‏

حدثني شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي ابن الكريم قال حدثنا أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن الميمون عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه الشافعي اليزدي عن أبي سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفي البغدادي عن أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي الواسطي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب عن أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب الأصبهاني قال حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا مسلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان أن رسول اللّه صلى الله علية وسلم قتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبراً أما عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري فضرب عنقه ثم أقبل من بدر حتى إذا كنا بالصفراء قتل النضر بن الحرث بن كلدة الثقفي أحد بني عبد الدار فقد أمر علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن يضرب عنقه فقالت فتيلة بنت الحرث ترثيه الكامل ياراكباً أن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق بلغ به ميتاً فإن تحية ما إن تزال بها الركائب تخنق مني إليه وعبرة مسفوحة جادت بدرتها وأخرى يخنق فليسمع النضر أن ناديته إن كان يسمع ميت أو ينطق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه للّه أرحام هناك تمزق صبراً يقاد إلى المنية متعباً رسف المقيد وهو عان موثق أمحمدٌ ولأنت نسل نجيبة في قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما مُنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أقرب من أخذت بزلة وأحقهم إن كان عتق يعتق لو كنت قابل فدية لفديته بأعز ما يفدي به من ينفق قال أبو الفرج الأصبهاني فبلغنا أن النبي صلى الله علية وسلم قال لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته فيقال أن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه أقول كان عليه السلام أنما أخر قتل النضر بن الحرث إلى أن وصل الصفراء ليتروى فيه ثم أنه رأى الصواب قتله فأمر بقتله ويروى أيضاً في قولها والنضر أقرب من قتلت قرابة تشير إلى أنه قرابة النبي عليه السلام وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة وبدر موضع وهو اسم ماء قال الشعبي بدر بئر كانت لرجل يدعى بدراً ومنه يوم بدر والصفراء من بدر على سبعة عشر ميلاً ومن المدينة على ثلاث ليال قواصد‏.‏